لم تبخل المملكة يوماً على شعبها ولم تقتر في سبيل تأمين الحياة الكريمة له وتعزيز حال الرفاه بالمزيد من أسس ومقومات البناء الاستشرافي والمشاريع المستدامة. ولم تقدم دولتنا أو تُؤثر في زمن الرخاء أحداً أو جهة أو قطاعاً على المواطن بل وضعت كافة إمكاناتها لسد احتياجه ورفع الأعباء عن كاهله، إلا أن الأزمات الاضطرارية والمنعطفات الحرجة تفرض على الحكومات والدول سياسات جديدة وتحتم عليها ما لم يكن في حسبانها. وبلادنا مع كل تداعيات جائحة كورونا رهنت كل مقوماتها لسلامة الإنسان ونجاته مما يريد الوباء إلحاقه به، وما الإعلانات التكتيكية عن نهج سياسة ترشيد تفرضها معطيات الضرورة إلا دليل وعي بمخاطر آثار لاحقة لا يستبعد أن تلقي بظلالها الثقيلة على كل مفاصل التنمية. وبما أن المملكة جزء من العالم، وأي تأثيرات اقتصادية لجائحة فايروس كورونا من جهة، وانخفاض أسعار النفط من جهة أخرى تنعكس على سياساتها المالية خصوصاً أنها تصدت للجائحة في أوجها ما يتطلب ضرورة اتخاذ تدابير تمكّن المملكة من مواصلة مكافحة الجائحة التي ربما تمتد آثارها المالية والاقتصادية لأكثر من عامين بحكم أنها أنفقت بسخاء لمواجهة تداعيات كورونا بتخصيصها 177 مليار ريال لدعم القطاع الصحي والقطاع الخاص والأفراد، ما يمثل نحو 18% من الميزانية العامة للدولة، وستكون الإجراءات في حدودها الدنيا ولن تطال النفقات الضرورية، وستركز على النفقات الإضافية التي لن تؤثر في نهاية الأمر على معيشة مواطنيها الأساسية. وترجح وزارة المالية اعتماد سياسات تقشفية وضبط النفقات في الفترات المقبلة تصب في مصلحة المواطن التي هي ذاتها مصلحة الوطن فنحن جزء من منظومة اقتصادية كبرى تعرضت لصدمة قاسية في ظل مكافحة كوفيد ١٩. والعقلانية في تقنين المصروفات باستقراء مؤشرات الواردات يحتم على صانع القرار التفكير المستقبلي المتحوط لتفادي تحميل الميزانيات أي مديونيات، وإيلاء مزيد عناية بالقطاعات والسلع والخدمات التي تعود بفوائض مالية جيدة لتجاوز الخلل بإيرادات أوسع وفوائض تجسر الهوة بين ما كنا فيه وما أصبحنا عليه. ومما يحمد لدولتنا أنها تضع المواطن في الصورة باعتباره شريكاً في التنمية ومستهدفاً بها ولا سبيل للتعاطي مع واقع مجهد إلا بمواجهته وتخفيف آثاره السلبية قدر الإمكان وبما أن المواطن يعي جيداً معنى الأزمة ويستشعر خطرها فلا مناص من إسهامه مع وطنه في تحمل التبعات، فالأوطان ليست مغنماً فقط.